الشاعر محمود درويش هو أحد الشعراء الفلسطينيين، قد ولد في قرية البروة عام 1941 ثم سافر إلى الاتحاد السوفيتي حتى يستكمل دراسته، وقد قام بالمساهمة في تطوير الشعر العربي، كان لهذا الشاعر العديد من الدواوين من الشعر والنثر وكان له 8 كتب، ثم انتقل إلى لبنان حتى يشغل منصب رئيس مركز الأبحاث الفلسطينية، وقد توفي في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008.
عند ذكر أشعار عن فلسطين لمحمود درويش يجب أن نذكر قصيدة بطاقة هوية فهي من أجمل القصائد التي تعبر عن حب فلسطين، وقام في هذه القصيدة بالتحدث عما حدث له في المنفى وشوقه لها وتطلعه للعودة لها وفقدانها بسبب الهجرة.
هذه القصيدة من أجمل أشعار عن فلسطين لمحمود درويش، فقد بيّن الشاعر في هذه القصيدة مدى استيائه من الاحتلال، وقام بتصوير حالة الحصار التي قد شهدتها في فلسطين في ظل هذا الاحتلال، يقوم الشاعر محمود درويش بتهيئة جو من العداء والدموية للقارئ حتى يستطيع أن يتخيل ما قد عانته بلاده، ويقوم الشاعر في هذه القصيدة بسرد الحكاية مستخدمًا لصيغة الجمع، فقال:
هنا،
عند مُنْحَدَرات التلال،
أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً…
هنا، لا ((أَنا))
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.
أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضّحي
بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها
ونسيانِ آخرِها…
الحياة.
الحياة بكاملها،
الحياة بنقصانها،
تستضيف نجوماً مجاورة
لا زمان لها…
وغيومها مهاجرة
لا مكان لها.
والحياة هنا
تتساءل:
كيف نعيد إليها الحياة
يقولُ علي حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي
وغدي في يدي…
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ…
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، علي دَرَج البيت
لا وَقْتَ للوقت
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله:
ننسي الأَلمْ.
الألمْ
هُوَ:
أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
لا صديً هوميريّ لشيءٍ هنا.
فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
لا صديً هوميريّ لشيء…
هنا جنرالٌ يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود
وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ…
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا
والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
قد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا
أَيها الواقفون علي عتبات البيوت
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلي أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
لمواليد بُرْجِ الحصار.
كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً !
قال لي كاتب ساخر:
لو عرفت النهاية، منذ البداية،
لم يبق لي عمل في اللغة
كل موت،
وإن كان منتظراً،
هو أول موت
فكيف أرى
قمراً
نائماً تحت كل حجر؟
أفكر من دون جدوى:
بماذا يفكر من هو مثلي، هناك
على قمة التل، منذ ثلاثة آلاف عام،
وفي هذه اللحظة العابرة؟
فتوجعني الخاطرة
وتنتعش الذاكرة.
عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات،
بيضاء، بيضاء. تغسل خدّ السماء
بأجنحة حرّة، تستعيد البهاء وملكية
الجو واللهو. أعلى وأعلى تطير
الحمامات، بيضاء بيضاء. ليت السماء
حقيقة [قال لي رجل عابر بين قنبلتين]
الوميض، البصيرة، والبرق
قيد التشابه…
عما قليل سأعرف إن كان هذا
هو الوحي…
أو يعرف الأصدقاء الحميمون
أن القصيدة مرت،
وأودت بشاعرها…
إلى ناقد: لا تفسر كلامي
بملعقة الشاي أو بفخاخ الطيور!
يحاصرني في المنام كلامي،
كلامي الذي لم أقله،
ويكتبني ثم يتركني باحثاً
عن بقايا منامي…