1 إجابة واحدة

0 معجب 0 شخص غير معجب
بواسطة (3.5مليون نقاط)
 
أفضل إجابة

هجرة الرسول مع أبو بكر الصديق

الاجابة

لئن كان كشف المخطط الإجرامي أمرًا ربانيًّا بحتًا، لم يتدخَّل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تخطيط عملية الهجرة ذاتها قد تُركت له بشكل كامل، فإن الوحي ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الجريمة التي يعزمون على القيام بها، وذكر له توقيتها؛ لكنه لم يذكر له تفاصيل ما ينبغي أن يفعله لكي تنجح مهمَّته صلى الله عليه وسلم في الهجرة من مكة إلى المدينة، وليس معنى أن الله تعالى قد أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بصدق التوجه إليه لطلب النصرة والتأييد أن الهجرة ستتم بلا إعداد أو ترتيب، وإنما تمام التوكُّل على الله يقضي أن يسأل العبدُ اللهَ تعالى النصر والقوَّة ثم يبذل كل ما في طاقته لإنجاح الأمر.

من يهاجر معي؟!

ولقد كان أول ما سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بداية هجرته هو مَنْ سيصحبه في هذه الرحلة الطويلة؟! فعَنْ  علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: “مَنْ يُهَاجِرُ مَعِي؟” قَالَ: أبو بكر الصديق [1]. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّم الأمة كلها أن الخطوات الناجحة تحتاج دومًا إلى رِفقة وإلى أصحاب، وأنه وإن كان الرسول العظيم، والرجل المؤَيَّد بالوحي فإنه يحتاج في سفره ورحلته إلى صاحب، فكان حريصًا دومًا على الصحبة؛ في مكة والمدينة، وفي السفر والحضر، وفي المسجد والسوق، وفي كل موطن من مواطن حركته وحياته صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جاء تدبير وترتيب كل خطوات الهجرة مشترَكًا بين الصاحبين العظيمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

من تخطيط النبي في الهجرة

إننا يجب أن نتدبَّر بوعي فيما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في هذه اللحظات النادرة، وهما يُدَبِّران ويُخَطِّطان ويُرَتِّبان لعملية من أخطر العمليات في التاريخ الإسلامي؛ فهما يُريدان أن يخرجا من مكة دون أن يشعر بهما أحد؛ بل من دون أن يشعر أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بأمر الجريمة التي تُدَبَّر له حتى لا يعجل الكفار بجريمتهم.

ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله وسوف يرعاني الله ويحفظني. بل أخذ -هو وصاحبه- بكل الأسباب الممكنة لإنجاح عملية الهجرة الخطرة؛ خاصة أن هذه الهجرة تعترضها عدَّة مشكلات؛ منها أنه صلى الله عليه وسلم يُريد أن يذهب للصديق رضي الله عنه ليُخبره بأمر الهجرة؛ ولكن دون أن يراه أحد، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم إن كان الصديق رضي الله عنه جاهزًا لهذه الهجرة المفاجئة، التي ستكون بعد ساعات فقط، أم لا؟

ومنها أن الكفار سيأتون بعد قليل لحصار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو اكتشفوا هجرته فسيتبعونه خارج مكة، ولو خرجوا خلفه صلى الله عليه وسلم مباشرة فسيكون احتمال اللحاق به كبيرًا، فكيف يُؤَجِّل رسول الله صلى الله عليه وسلم حركة المطاردة المشركة له؟ ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتفظ في بيته بأمانات كثيرة، وكان أهل مكة المشركون لا يجدون مَنْ هو أكثر أمانة منه صلى الله عليه وسلم حتى يحفظوا عنده أماناتهم؛ وذلك مع شدَّة عدائهم له، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم على درجة قصوى من الأمانة؛ بحيث إنه في هذا الموقف الخطير ما زال مشغولاً بردِّ هذه الأمانات، ولم يقل: إنها أموال الأعداء، فيجوز الاستيلاء عليها. بل ظلَّ محافظًا على العهد الذي بينه وبينهم، فهذه كانت بعض المشكلات التي واجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُخَطِّط للهجرة.

أبو بكر الصديق الصاحب في الهجرة

وقد وردت عدَّة روايات ثمينة تُوَضِّح لنا ترتيب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمر، وكيف تغلَّب على هذه المشكلات، وفي هذه الروايات من الدروس والعبر ما لا يمكن إحصاؤه.

قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: “فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ[2] قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا[3] فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ: “أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ”. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: “فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ”. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “نَعَمْ”. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “بِالثَّمَنِ”. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ[4]، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ[5]، فَقَطَعَتْ أسماء بنت أبي بكر قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا[6] فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.

قَالَتْ: ثمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عبد الله بن أبي بكر، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ[7] لَقِنٌ[8] فَيُدْلِجُ[9] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ[10] بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً[11] مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا[12] عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ[13]، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا[14]، حَتَّى يَنْعِقَ[15] بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ[16] يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رجلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا[17] فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ”[18].

يمكنك الاطلاع على المزيد من خلال هجرة الرسول مع أبو بكر الصديق

اسئلة متعلقة

0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة 124 مشاهدات
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة 107 مشاهدات